أخر الأخبار
الحب في الكبر
الحب في الكبر

عمان - الكاشف نيوز

قال لي الدكتور المكسيكي في الطائرة الفرنسية المتوجهة إلى باريس: كم تعطيني عمرا؟ تأملته وقلت له ربما كنت في الستين! انتفخ مزهوا ثم قال بقليل من الخجل عمري 72 عاما، وأنا أعمل في مشفى في السعودية، وهذه زوجتي التي أتمتع بها! وإن عجزت نفعتني الفياجرا؟ خجلت أنا قليلا من جوابه، وهي طأطأت رأسها خجلا، وكانت في الخمسينيات. تعجبت وقلت إنه مثل رائع لحياة صحية ..

يظن البعض أن الحب في الكبر عيب وعار وغير لائق، وكأن القلوب تخفق في صدور الشباب، وتموت في قلوب الشيب؟! وهذا غير صحيح. وفي قصة الحب في زمن الكوليرا، تزوج ابن التسعين بنت الثمانين، وعلى ظهر زورق، يمضي بهم بعيدا عن عيون الفضوليين. وهنا يحدث الزواج بلون من الاندماج الروحي والتقارب الفيزيائي، وقد لا ينجح فيه الوطء، ولكن المهم هو تلك السكينة والرحمة والمودة التي خلقها الله بين المرأة والرجل.

وحسب قانون ابن حزم في التجاذب الجنسي فليس من امرأة أو رجل اجتمع بامرأة ورجل، إلا حصل شيء من التجاذب الخفي. وهو سر تحريم الشرع الخلوة ومتابعة النظرة النظرة .. وامرأة أعرفها مات زوجها عنها وهي في السبعين؛ فتمنيت لها أن تتزوج ولا تعيش حالة الأحزان مسترسلة. وصديقي السعودي أبو عبد الله ماتت عنه زوجته وهو ابن الثمانين، فزوجوه بفتاة من قرى دمشق عمرها 28 سنة.

هي رضيت من أجل مال يدفع لأهلها لشراء بيت، وهو أراد فتاة يفرح بها ترد له حياته من جديد. وأعرف أن كلامي هذا يثير الكثيرين، ويغضب البعض، ويفرح النادر، ولكنني أرويها ليس تشجيعا، بل نقلا للواقع، وما يحدث فيه. وهو مذهب ابن خلدون قال: لا تحلم بالمثاليات في رأسك، بل انظر كيف يتحرك الواقع، والقوانين التي تحكمه.

وابن حزم كان فقيها نحريرا؛ فكتب بأشد من غزل المراهقين. وفي كتابه الألف والإيلاف تحدث عن نفسه ورغباته، وأنه مولع بالنساء البيض الشقراوات من النوع الأوربي، وأنه تربى في حضن النساء، وتعلم منهن. وفي فيلم شاب إلى الأبد، حُرِم الفتى من فتاته وهو شاب، ثم وضع جسمه في تجربة تابوت بارد كي ينسى أحزانه سنة من الزمن، فنسوه ومضى به الوقت 53 عاما!! فلما أفاق قال أين الحبيبة؟ وما زال يبحث عنها حتى رآها عجوزا متهالكة، فأمسك بيدها، وقال: هل تتزوجيني؟ ونابليون كان آخر ما نطق به: جوزفين. وجوزفين هي التي منحته الحب، ومعها دخلت البركة حياته؛ ففاز وحلق، ولما طلقها طلقه السعد؛ فكب على وجهه، من هزيمة إلى أسر فحبس فنفي؟! وبقى على حبها حتى سكرات الموت، ولكن بعد فوات الأوان، ولات حين مندم.

ورسول الرحمة كانت خديجة محور حياته، وبقي على ذكراها وإكرام أصدقائها، حتى آخر لحظة من أيامه صلى الله عليه وسلم .. وأنا وتقليدا للمصطفى، فعلته لملهمتي ليلى سعيد التي مضت إلى الرحمن الرحيم؛ فأكرم كل من يمت لها بصلة ورحمة وصداقة ولو في أقصى الأرض؟ والحب من النظرة الأولى صحيح. وينكره البعض ولكنه إذا حدث يلتحم ولا يزول والويل لمن أصيب بسهمه.. وفيها قصص يذكرها ابن حزم عن الحب القاتل من هذا النوع.. والسيدة سحر من دمشق كتبت لي عن حب الكبار وهل هو ممكن؟ فهل يعقل أن يحب من كان في السبعينيات امرأة في الستينيات؟ وجوابي عليها أنه ممكن؛ فالحب نور وضرام يقع مثل النار، وقد ينطفئ وقد يحدث حريقا أو نارا تتلظى؛ فيجب أن يعنى به ويصان ويطور، فهو يشبه حمل أوان زجاجية، يمشي بها صاحبها فوق صخور، يرتقي بها مرتقى صعبا، وقد يهوي ويتكسر في أي لحظة؛ فليحذر الأزواج الروتين والتفاهة والإهمال وقلة الاحترام وأن الأولاد ضمانة؛ فتنتفخ المرأة بالعرض، ويتدلى كرش الرجل مثل الحوامل؟ فيقعون في طلاق صامت، وحياة زوجية باردة كالثلج؛ فيفوتوا على أنفسهم أجمل متع الدنيا وأعظم ملذاتها .. الحب.