أخر الأخبار
السّرّ وراء حاجة الأردن للأمن الغذائي
السّرّ وراء حاجة الأردن للأمن الغذائي
يبدأ الأمن الغذائي ، منذ إستيقاضك ، وحاجتك لإستهلاك رغيف خبز واحد ، على مائدة الفطور ، وقد يصحب الرّغيف صحن من بذور "الحمّص" المهروسة ، وقليل من الزّيت ، والشّاي ، ولأنّ الأمن الغذائي يشمل ، تأمين كلّ ما يلزم المجتمع ، بأكمله ، أو الفرد ، فهنالك أشخاصاً لا يملكون الأمن الغذائيّ ، أو كسرة خبز ، على أقلّ تقدير .
لن نتحدّث عن السّعرات الحراريّة ، والكربوهيدرات ،والبروتين ، والحديد ، والفيتامين ، والصوديوم ، وعن السّعرات الحراريّة التي يشملها رغيف خبز واحد ، بل سنربط الأمر بحقيقته ، وبكرامة حضور رغيف الخُبز ، وعن حالة الإزدراء والضّعف المُرافقة لعدم وجوده على المائدة .
يعتبر مفهوم الأمن الغذائي محور القضيّة ، وأهمّها ، على السّاحة العربيّة ، والعالميّة ، لدوافع كثيرة ، وأهمها عدم الفهم الكامل ، لجوهر الأمن الغذائيّ ، والفشل في تحقيقه ، وبسبب الظّروف السّياسيّة ، التي تكتنف العالم بأسره .
بداية ، يرتبط الرّغيف بكرامة الفرد ، لا يفترقا ، فلا كرامة دون تأمين أبسط أنواع الغذاء " الخبز والملح والبصلة " وصولاً إلى راحة الفرد وعدم حاجته وطمأنينته ، وعيشه كريماً ، دون إنكسار ، أو حاجة .
عام ١٩٧٤ ، أستخدم مصطلح الأمن الغذائي لأول مرّة ، بسبب إنتشار الحروب حينها ، وعرّف هذا المصطلح ، خلال المؤتمر العالمي للغذاء عام ١٩٧٤ ، بأنّه مدى توفر الغذاء الكافي خلال كل الأوقات، ذو قيمة غذائيّة، متنوّعة ، ومتوازنة، وتوفّر هذه المواد الغذائية ،لتحمّلْ زيادة استهلاك الغذاء ، ومعادلة تقلّبات الإنتاج والأسعار .
ومن أشكاله ، الأمن الغذائيّ الكلّي ، أو الأمن الغذائيّ الذّاتي ، أن تنتج الدّولة الواحدة من موادٍ غذائيّة بكميات تفوق الطّلب داخلها ، أمّا الأمن النّسبيّ ، ما تؤمنه الدّولة ويوافق حاجتها من الطّلب دون زيادة.
جلالة الملك عبدالله بن الحسين ، دعى إلى ضرورة تمكين الاردنّ ليكون العنوان الرئيسي للامن الغذائي فى المنطقة بكل روافده ، وأشار جلالته بخصوص ملف الأمن الغذائيّ سابقاً ، إلى ضرورة الإستجابة للمخاطر العالميّة ، وربط جلالته الأمن الغذائي بالإستقرار الإجتماعيّ .
منذ عام ٢٠١٦ م ، لم يتعدَ النّمو الإقتصاديّ في الأردنّ ٢٪؜ ، ومنذ إن جاءت جائحة كورونا والتي كشفت الغطاء عن البلدان الضعيفة إقتصادياً وماليّاً ، رمت هذه الجائحة بثِقلها عبئاً ، على الإقتصاد الأردنيّ الذي ينزف ببطئ شديد .
القمح والشّعير ، والحمّص ، وبقوليات أساسيّة أخرى ، واللحوم الطازجة والمُبرّدة ، وكل المواد الغذائية التي يمكن للدولة تأمينها ، والحفاظ على ديمومتها ، مع النّظر لإمكانيّة تخزينها ، جرّاء إرتفاع الأسعار عليها ، والبقاء في خانة التأمين الذّاتي لها .
أما عن إمكانيات وتحدّيات الأمن الغذائيّ في الأردن ، أن الأردن يستورد سنويًا نحو ٤ مليارات دولار من المنتجات الغذائيّة والزراعيّة ، وندرة الموارد المائية فيه ، إضافة للمساحات الزّراعية الشّاسعة القابلة للزّراعة ، التي لم تدخل حيّز الإنتاج الغذائي بعد ، إحتل الأردن مؤخّراً السابع عربيّاً ، و٤٦ عالمياّ في مؤشّر الأمن الغذائي العالمي ، في ظل تراجع دول ذات ظروف إقتصاديّة أقوى ، رغم تحدّياته ، ويمتلك الأردنّ عدد حوالي ٢.٦ مليون شابّاً ، قادرين المشاركة ، و ٢٥ مليون دونم صالحاً للزراعة وقابلاً للمشاريع .
وزارة الزّراعة الأردنيّة ، وبجهود الحنيفات ، يُنظر إلى الأمن الغذائي بعين الأهميّة ، وتعتبر الوزارة صاحبة الإختصاص ، أهم ما يمكن فعله مساعدة المزارعين وتمويلهم أحياناً ، وحثهم على زراعة المحاصيل كافّة ، وتتخذ الوزارة عدداً من الإجراءات لتعزيز المخزون الغذائيّ ، وتقوم بطرح المشاريع الزّراعيّة التي تخدم الأمن الغذائيّ .
تأتي فكرة الأمن الغذائي بشكل عام ، مرتبطة بكلمة إستراتيجيّة ، وهذا قد يصف الخطط المُبرمة في التعامل مع الجّائحات والحروب ، وإرتفاع أسعار المواد الغذائية عالميّاً ، ما يدفع الدّولة للنظر إلى أهميّة هذا الجّانب ، حيث تكمن قوّتها .
"أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف “ تحذيراً قرآني من الجّوع والعطش ، والتنبؤ لسنين عجاف لبني إسرائيل ، ونفاد من القوّة والطعام ، إن لم يخزّنوا القمح ، فذروه في سنبله !
الأمن الغذائيّ ، قضيّة مُلحّة ، وإمداداً لقادم ، وتأمين الإكتفاء الحقيقيّ ، من خلال إستغلال الأراضي الزّراعيّة وحل مشكلات المياة وإدارتها ، والسّماح لأيّ فرد داخل الدّولة ، أن يكون منتجاً ، ومشاركاً في جوهر الأمن الغذائي .
أزمة غذائيّة عالميّة قادمة ، قد تطيح بإقتصاديات دول كبرى ، ومشاريع عالميّة ، وأخرى عربيّة ، وأردنيّة ، وأفكار ما زالت تجول في الأفق ، ليكن الأردن مركزاً إقليمياّ للأمن الغذائيّ ، ولن يتحقق ذلك ، دون العمل بجديّة ، وخلق الأرضيّة المشتركة في فهم الحاجة للأمن الغذائي ، والقمح , من جميع أركان الدّولة إبتداءً من رأس الحكومة والمرور بكافّة وزاراتها ، وصولاً إلى المزارع البسيط ، وخلق حالة من التّفاهم , والتّخطيط ، والدّراسة ، والتّمويل ، وفهم المشروع القاصد في تأمين كلّ ما يحتاجه المواطن , في كلّ وقت ، ليكن بمأمنّ ، بعيداً عن الظّروف السّياسيّة النّاشبة ، ويرفع بذلك القيمة الإنتاجيّة للفرد الواحد ، وتبتعد عن إنعدام الأمن الغذائيّ .
فكلّ ذلك بوصلة ، لإيجاد الوطن قويّاً إقتصادي ، وسياسي ، وإجتماعي ، في الجّهة المُقابلة قرابة ال١٠ مليون نسمة ، يخافون فقدان “ الخُبز " وبإمكانهم المُشاركة .
حفظ الله الأردن وشعبه وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين.