أخر الأخبار
مشروع قانون الانتخابات : رأيُ مواطن أردني !
مشروع قانون الانتخابات : رأيُ مواطن أردني !

لا شك في أن مشروع قانون الانتخابات التشريعية المعروض الآن على مجلس الأمة بجناحيه الأعيان والنواب أفضل كثيراً من القانون الذي أجريت بناءً عليه الانتخابات السابقة وبالتأكيد التي سبقتها والتي سبقت التي سبقتها لكن وبينما هذا «المشروع» لا يزال قيد التداول فإنَّ ما يمكن أن يقال فيه من قبلي على الأقل, ليس باعتباري عضواً في مجلس الأعيان وهذا يشرفني, ولكن باعتباري مواطناً أردنياً لي حق الاجتهاد فإن أخطأت لي أجراً واحداً وإن أصبت فلي أجرين !! 
     وبدءاً لا بد من الإشارة إلى أنَّ أهم إنجازٍ في هذا «المشروع» هو التخلص مما سميَّ: «القائمة الوطنية» التي ثبت أنها كانت عبئاً ثقيلاً على الانتخابات الماضية وأنها كانت حمولة زائدة بالفعل وأنَّ إقحامها على هذه الانتخابات الماضية كان كمن يحاول أن يجد طريقه في عتمة ليلة ظلماء غيومها تتراصف فوق بعضها بعضاً في ليلة زمهريرية ممطرة لا تُمكِّنُ ساري الليل من أن يرى أبعد من أرنبة أنفه . 
     المهم أننا تخلصنا من هذه الحمولة الزائدة ومن كل هذا التشويه غير المقصود بالطبع في العملية الديموقراطية وذلك مع كل الاحترام والتقدير للذين وصلوا إلى المقاعد النيابية بهذه الطريقة الحولاء.. فالذنب ليس ذنبهم لكن يبقى إنه علينا أولاً كمواطنين وثانياً كأعضاء في مجلس الأمة ألَّا نتعامل مع هذا المشروع الجديد بطريقة من يريد أن «يفصِّل» لابنه الصغير وبأي طريقة وبأي أسلوب ثوباً إما من خمسين متراً أو من خمسين سنتمتراً !! 
     إن اختصار عدد أعضاء المجلس النيابي في المشروع الجديد من 150 عضواً إلى 130 عضواً يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لكن ألمْ يكن من الأفضل لو أن هذا الاختصار قد تضاعف ثلاث مرات على الأقل نظراً لأن الازدحام يعيق الحركة ولأن هناك ضرورة ملحة لـ «تقشُّفٍ» جديٍّ في هذه الظروف الصعبة التي يواجهها الأردن وتواجهها المنطقة كلها.. والله يستر ونسأل العلي القدير أن يجنب بلدنا عثرات الزمان . 
     ربما أن الحكومة الرشيدة, عندما أكتفت بمحاولة «ترشيق» المجلس النيابي بخفض عدد الأعضاء من 150 عضواً إلى 130 عضواً, تعرف أن عدد أعضاء مجلس العموم البريطاني هو 650 عضواً لعدد سكان تجاوز الخمسة وستين مليوناً بينما عدد الأردنيين وفقاً للإحصاءات الأخيرة يقترب من السبعة ملايين وهنا فإن الفرق في التمثيل واضح كل الوضوح. 
     إن هذه مسألة أما المسألة الأخرى فهي أنَّ قانون: «الصوت الواحد والدائرة الانتخابية الواحدة» قد قيل فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر وأتُّهم بأنه يمزق التركيبة الاجتماعية لبلدنا ويفتت أوضاعنا العشائرية وحقيقة  أنَّ هذا الحكم تنقصه الموضوعية والدقة إذْ أن ما يشكل اعتداءً على المساوات بين المواطنين المنصوص عليها بوضوح في الدستور الأردني هو أن يكون للناخب في دائرة معينة صوت واحد أو صوتان أو ثلاثة أصوات بينما يكون له في دائرة أخرى خمسة أصوات أو ستة أو سبعة أو أكثر أو أقل وهذا هو ما يخلخل التركيبة الاجتماعية وما يدق أسافين في لُحمتنا العشائرية . 
      لقد جربنا منذ استئناف العملية الديموقراطية في نهايات ثمانينات القرن الماضي قوانين انتخابية كثيرة لم يكن هناك إجماع على أيِّ منها إذْ أنَّ إرضاء كل الناس غاية لا يمكن إدراكها فالمصالح مختلفة ولكل مصالحه لكن المصلحة الوطنية العليا التي تأخذ بلدنا إلى الاقتراب من مستوى الدول الديموقراطية هي بالتأكيد: «الصوت الواحد والدائرة الانتخابية الواحدة» فهذا هو ما يؤسس لانتعاش حزبي صحيح بعد كل هذا الجمود وبعد كل هذه العثرات المتلاحقة.. وهنا فإنه علينا أن نعود لتجربة خمسينات القرن الماضي (1956) عندما أفرزت تلك الانتخابات المبكرة «برلماناً» حزبيّاً بالفعل وعندما أنعشت الحياة الحزبية وعندما تمخضت عن تشكيل حكومة وطنية حزبية برئاسة المرحوم سليمان النابلسي شكلها الحزب الوطني الاشتراكي الذي فاز بالأغلبية البرلمانية .