أخر الأخبار
بيان باريس ونقطة اللاعودة
بيان باريس ونقطة اللاعودة

منطقيا؛ أي تحرك دولي على المستوى الخارجي؛ بشرط أن يكون مدروس ومخطط له جيدا وبدقة متناهية؛ يمكن له أن يعطي ثمار طيبة ويتقدم بالنقاط على دولة الاحتلال؛ على أن يعرف مسبقا قدرة كل طرف على التأثير؛ كون العلاقات الدولية لا تقوم على العواطف والدموع والحقوق؛ بل على ما يملك كل طرف من أسباب القوة؛ التي تجبر الأطراف الأخرى على الانصياع واحترامه. عندما زرعت دول الغرب؛ دولة الاحتلال في قلب العالم العربي والإسلامي؛ تعهدت بان تبقي عليها أطول فترة ممكنة، ومدها بأسباب الحياة والبقاء، وعدم المجازفة ببقاء "اسرائيل" والتخلي عنها بسهولة؛ أو السماح بإيجاد ظروف لا تساعد على استمرارية بقائها؛ ومن هنا يمكن فهم وتفسير تحذير وزير الخارجية الفرنسي "جان مارك ايرولت" بعد بيان باريس أمس؛ من "خطر جدي" يهدد الحل القائم على مبدأ الدولتين، والذي أشار ايضا؛ إلى أن الوضع يقترب من "نقطة اللاعودة". ليس حبا بالفلسطينيين ما تقدمت به فرنسا من مبادرة لحل الدولتين؛ فهي تريد إطالة عمر الاحتلال؛ وما دعت إليه من اجتماع ل 30دولة يوم الجمعة 3�4 وهو ما تمخض عنه فيما يعرف ببيان بارس، فهي استشعرت الخطر على وجود وبقاء دولة الاحتلال بعد أن ثبت ضعف وتراجع وعدم قدرة "الجيش الذي يقهر" على هزيمة حركة حماس في عام 2014؛ والتي هي ليست بجيش ولا بدولة؛ فكيف لو وقعت معركة حقيقة وبإخلاص بين دولة الاحتلال وجيش يتبع لدولة عربية كجيش الأردن مثلا. دولة الاحتلال لا تستطيع الاستمرار دون الدعم الغربي؛ ولولاه لصارت منذ زمن في طي النسيان، ومن يظن أن فرنسا تفضل أو تغلب الحق الفلسطيني وشرعيته على دعم دول الاحتلال؛ فهو بحاجة لمراجعة منطلقاته الفكرية والسياسية. كذبت دولة الاحتلال عندما قالت بان البيان الختاميّ "المخفّف"، الصّادر عن اجتماع باريس الدّوليّ؛ هو نتيجة عمل ومساع دبلوماسيّة "إسرائيليّة "مكثّفة؛ بل هو نتيجة لعلاقات القوى ببعضها؛ وما يملك كل طرف من أوراق ضغط؛ فيكفي وجود أمريكا وضغوطها في الاجتماع كي تكون نتيجة الاجتماع لصالح دولة الاحتلال. في الواقع فسر البيان الختاميّ الذي صدر عن الاجتماع في باريس؛ على أنّه 'فوز لدولة الاحتلال؛ وهذا واضح؛ كون البيان أكد على دعم حلّ الدّولتين، "إسرائيليّة" وفلسطينيّة، وهو ما يعني أن مشكلة عودة اللاجئين قد حلت بشكل جوهري؛ بان لا عودة لهم في دولة الاحتلال التي لا تتسع لستة مليون لاجئ فلسطيني بحسب طرح الاحتلال ودول الغرب. كما أن البيان دعا للعودة إلى نقطة الصفر؛ بالعودة للمفاوضات التي طيلة 23 عام من التفاوض لم تقنع دولة الاحتلال بإعطاء الفلسطينيين من نسبته 22% من فلسطين التاريخية وإقامة دولة على حدود عام ال 67؛ ونص بيان باريس واضح؛ بأنه يتعهّد بالسّعي لإقناع الطّرفين باستئناف المفاوضات؛ وقد تطول عملية الإقناع لسنين طويلة.. تطول.. وتطول. من الصعب على السلطة الفلسطينية كسب موقف أو مواقف دولية لصالح القضية الفلسطينية ما دامت لا تملك أوراق قوة ضغط حقيقية على دولة الاحتلال؛ وأي تحرك خارجي دولي بحاجة لعمق تفكير ومعرفة انعكاساته وتداعياته؛ فقد ينقلب لغير صالح القضية الفلسطينية بفعل قوة تأثير دولة الاحتلال على المجتمع الدولي. حاليا لا يعمل المجتمع الدولي لصالح القضية الفلسطينية؛ فتعريف المجتمع الدولي؛ بأنه تلك الدول التي تدور في فلك أمريكا وتنصاع لها؛ ضمن علاقات القوى والمصالح؛ وليس الحقوق والعواطف والدموع؛ وبالتالي فان من يعول على المجتمع الدولي بنصرة الحق الفلسطيني فهو واهم وحالم. في كل الأحوال؛ لا يعني أن المجتمع الدولي ظالم، أو لا يعترف بالحقوق؛ من انه لا يمكن الدخول والتأثير فيه؛ من خلال بعض الثغرات؛ كون الحق الفلسطيني واضح وضوح شمس حزيران؛ فالقانون الدولي الإنساني مثلا؛ يجيز مقاومة المحتل بكل أنواع المقاومة، ولا ننسى فتوى لاهاي بخصوص الجدار وعدم تنفيذها؛ ونجاحات حركات المقاطعة مثل (BDS) boycotts Divestment and sanctions against Israel . ما أكثر ثغرات المجتمع الدولي فيما لو كنا متحدين، وقلوبنا على بعض، فاختلاف البرامج لا يعني عدم الالتقاء والاتفاق ولو ضمن الحد الأدنى؛ فللأسف؛ المحتل يتفق علينا ويقتلنا ويهجرنا ويصادر أراضينا؛ ونحن لا نتفق عليه؛ مع أننا أصحاب حق، وندفع كل يوم ثمن الاحتلال البغيض من دمائنا وخيرة فتياتنا وأطفالنا؛ الذين يقتلون على الحواجز جهارا نهارا، وأمام الكاميرات.