أخر الأخبار
تطويع حماس أو حرب إسرائيلية على غزة
تطويع حماس أو حرب إسرائيلية على غزة

في فترة قصيرة شنّت إسرائيل ثلاث حروب عدوانية مدمرة (2008 و2012 و2014) على قطاع غزة في ستة أعوام، إضافة إلى فرضها الحصار عليه، أي على مليوني فلسطيني، وقد حصل ذلك كله منذ سيطرة حماس على القطاع في العام 2007، وانقسام الكيان الفلسطيني.

 وطبعا ليس القصد أن يفهم من ذلك أن هذا الأمر هو سبب حروب إسرائيل، رغم أن له علاقة بذلك، إذ أن ذلك له تفسيرات أخرى ليس مكانها في هذه المقالة، سيما أن إسرائيل تعتبر نفسها في حرب دائمة ضد الفلسطينيين، بأشكال ناعمة أو خشنة، وبمستويات متعددة.

الحرب الأولى، بين 27 ديسمبر 2008 و19 يناير 2009، وهي استمرت 23 يوما، وقد أدت عملية “الرصاص المصبوب” إلى مصرع أكثر من 1436 فلسطينيا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال، في المقابل اعترفت إسرائيل بمصرع 13 إسرائيليا بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.

الحرب الثانية بين 14 نوفمبر و21 نوفمبر 2012، التي استمرت ثمانية أيام، ذهب ضحيتها 155 من الفلسطينيين والمئات من الجرحى الضحايا مقابل ثلاثة إسرائيليين.

أما في الحرب الثالثة، والتي استمرت 50 يوما، بين 8 يوليو و29 أغسطس 2018، فقد نجم عنها حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مصرع 2174 من الفلسطينيين 81 بالمئة منهم من المدنيين، في مقابل مقتل 70 إسرائيليا منهم 64 جنديا. في المحصلة لدينا أكثر من أربعة آلاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات الألوف من الجرحى، بينهم الألوف من المعاقين، ناهيك عن دمار هائل لبيوت وممتلكات شخصية وعامة، في مقابل مصرع 86 إسرائيليا. الغرض من هذا العرض لفت الانتباه إلى العديد من الملاحظات أهمها:

أولا إن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب دائمة مع الفلسطينيين، بهذا الشكل أو ذاك، بهذا المستوى أو ذاك، بالوسائل السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية، أي بالوسائل الناعمة أو بوسائل القوة العسكرية.

ثانيا إن إسرائيل مستعدة بشكل دائم لشن حرب على قطاع غزة، ولذلك فهي تضعه تحت تهديد دائم، ناهيك أنها تقوم بين فترة وأخرى بشن غارات بالطائرات أو بالصواريخ، على أهداف معينة، بشرية أو مادية، أي أن هذا الأمر ينبغي عدم تجاهله، ويجب وضعه في الاعتبار في إدراك القيادات أو الفصائل المعنية، لتفويت ذلك ولتجنيب مليوني فلسطيني في غزة المزيد من المآسي والكوارث، خصوصا أن ما يحصل لا يؤدّي إلى أي نتائج أو إنجازات سياسية فلسطينية.

ثالثا إن اعتبارات إسرائيل لشن أي حرب لا علاقة لها بتقديراتنا، لأنها تنبع من إدراك إسرائيل لوضعها وعلاقاتها في المنطقة، وفهمها لإدارة صراعها مع الفلسطينيين، وهي مثلا ترى أن إبقاء الوضع على ما هو عليه أفضل لها من شن حرب، لأن الخلاف والانقسام الفلسطينيين، يستنزفان الفلسطينيين ويشتتان طاقاتهم، ويضعفان مصداقيتهم على حكم أنفسهم أمام العالم، ويظهران قطاع غزة كأنه منطقة مستقلة، وأن المشكلة هي عند الفلسطينيين، وليس بين إسرائيل وبينهم.

رابعا، مشكلة الفلسطينيين، ولا سيما حماس، أنهم يبالغون بقدراتهم ويتصرفون وكأنهم في منطقة محررة (غزة) وهذا انطباع خاطئ في إدراكات الفلسطينيين، وفي الصورة التي يصدرونها للعالم. ومثلا فبدلا من طرحهم قضيتهم باعتبار غزة منطقة محاصرة تعاني ضعف الموارد وصعوبة العيش والاعتداءات الإسرائيلية، يتم تصديرها باعتبارها تنتج مقاتلين وصواريخ وطائرات، وكأنها منطقة محررة ومقتدرة، مع كل معرفتنا بجبروت إسرائيل عسكريا، وضمان أمنها من الدول الكبرى، وفي ذلك لا مجال للحديث إطلاقا عن توازن قوى عسكري، وتاليا ولا أي حديث عن توازن رعب أو عن معادلات متبادلة.

واضح أن حركة حماس في مأزق كبير في إدارتها لقطاع غزة، فهي لم تستطع الاستثمار في ذلك في تعزيز مكانتها فلسطينيا، ولا عربيا ولا دوليا، ناهيك أنها تتعرض لاستنزاف كبير. هكذا فإن حماس أضحت تخضع لضغوط متعددة. أولها الضغوط من البيئة الشعبية التي تتعرض للحصار، والحديث يتعلق بمليوني فلسطيني في منطقة تفتقد للموارد، وفي بيئة باتت فيها البطالة مشكلة كبيرة، مع الحصار المادي المفروض على القطاع من جهات متعددة.

ثانيا ثمة ضغوط من السلطة الفلسطينية على حماس، تستهدف إزاحتها من السلطة، ومن الصعب توقع التخفيف من ذلك على ضوء التجربة والتجاذبات الحاصلة، سيما أن حماس أضحت معزولة على أكثر من مستوى.

ثالثا، لم تعد البيئتان الإقليمية والدولية مواتيتين لحركة حماس، على العكس من ذلك فإن كل الضغوط تتجه نحو تحجيم دورها، وتكييفها مع الأوضاع الحاصلة.

على ذلك فإن كل الأحاديث عن المصالحة الفلسطينية لا معنى لها من دون تطويع حماس في غزة، أو إخضاعها للشروط الإقليمية والدولية، وضمنها الشروط الإسرائيلية، أي أن الشروط الفلسطينية هي الأقل تأثيرا هنا.

هكذا فإن مجيء وفد من قيادة حماس إلى غزة لتقرير وضع الحركة ومستقبلها، أو للبحث في المصالحة الفلسطينية، ثم ذهابه إلى مصر للتشاور مع الجهات المعنية حول مختلف الملفات، لا يمكن أن يفضي إلى شيء، فالمطروح إما تطويع حماس وقبولها ما يتعلق بخطة دولية تغير من واقع القطاع، وضمن ذلك تحجم سلطتها، وإما تغيير سياساتها، تحت مسمى رفع الحصار، وهدنة، والشروع في خطة دولية لمساعدات اقتصادية، وإنشاء بنى تحتية، وفتح ميناء ومعابر للتسهيل على الفلسطينيين، أو إبقاء قطاع غزة تحت التهديد بالحرب، من قبل إسرائيل، سواء كانت على شكل حروب صغيرة أو حرب كبيرة. لذا فإن كل الخيارات صعبة ومكلفة، في هذه الظروف الدولية والعربية.