تجري الرياح بما لا تشتهي السفن هكذا حال نتنياهو مع عملية الضم التي كان مقرر لها الأول من تموز، وقد مضى الأول من تموز من دون قرار ضم إسرائيلي لأراضٍ في الضفة. لا ضم كاملاً ولا جزئياً، وكانت التوقعات تشير أن الخلافات وعدم توافق وجهات النظر بين إدارة ترمب ونتنياهو أن بددت اللايقين الذي اكتنف خطة الضم في الأسابيع الماضية. بالطبع، لا يعني ذلك أنه لا قرار إسرائيلياً سيصدر قريباً أو بعيداً، وإن كان مسار الضم نفسه ما زال ملتبساً، وتحوطه تساؤلات في أكثر من اتجاه.
في خلفية تأجيل حكومة نتنياهو ضم أراضٍ في الضفة المحتلة، أو تأخير إعلان ذلك، ثمة غياب لقرار أميركي واضح حول الضم شكلاً ومضموناً وتوقيتاً. والثابت أن العرقلة الأميركية واضحة جداً، وأدت إلى تأجيل بتّ القرار. حتى مغادرة الوفد الأميركي المفاوض تل أبيب والعودة إلى واشنطن، والوعد باستمرار المحادثات، لا تعنيان بالضرورة رحلة مكوكية لاستيضاح الموقف والعمل على إمكان تليينه، لأنه لا صلاحيات تفاوضية حاسمة لوفد يرأسه المستشار الخاص للمستشار الخاص للرئيس الأميركي... بل لا يبدو أن مهمته وتفويضه ذوا صلاحيات، بل كانت مهمته إبلاغ موقف الإدارة المانع، واستبيان مواقف الأطراف الإسرائيليين. وإن قيل إن المحادثات ستُستأنف في الأيام المقبلة بين الإسرائيليين والأميركيين، فإن الإعلان يثير أسئلة، ولا سيما أن إدارة دونالد ترامب في دائرة اهتمام ترتبط بملفات داخلية، ما لم يكن لما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت» تأثير في توجهات ترامب واهتماماته، إذ يبدو أن الضم نفسه بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بموقف الإنجيليين من الانتخابات الأميركية. تقول الصحيفة إنهم «يضاعفون ضغوطهم على ترامب لدفع مخطط الضم قدماً»، ومنهم القيادي الإنجيلي مايك إيفانز، الذي نقلت عنه قوله: «تصويتنا هو الذي يحسم الانتخابات الرئاسية... وهو ضروري، ولا يمكن الحسم من دوننا. نحن مئة في المئة مع فرض السيادة (الإسرائيلية في الضفة). دعمنا لم يبدأ بترامب، بل مع الكتاب المقدس، فنحن نؤمن بأن الله قرر فرض السيادة قبل آلاف السنين، وهو ما بلّغ به أنبياء اليهود».
ما يرد في الإعلام العبري يتوافق مع التحليل ؛ فطبقاً للتقارير المنشورة (صحيفة «معاريف»)، من المتوقع في الأسبوع المقبل أن تنسق تل أبيب وواشنطن قرارهما بشأن «أين ومتى تفرض إسرائيل سيادتها في الضفة، الأسبوع المقبل»، علماً بأن احتمالات الضم ما زالت واردة تحت سقف الضم نفسه الذي بات من المتعذر إلغاء مساره بالمطلق.
المؤشرات تشير أن المؤسسة الامنية غير متحمسة للضم وهناك أولويات لدى الاجهزة الامنية الاسرائيلية أكثر إلحاحاً في الجبهة الشمالية الموسعة من بيروت إلى طهران وما بينهما. فالانشغال في موقف دفاعي يقلص الجاهزية أمام الموقف الدفاعي ــ الهجومي في الشمال، وهو ما بات أكثر معقولية وترجيحاً بعد تهديدات غزة ورسائلها الصاروخية لأكثر من مئة كيلومتر باتجاه بحر غزة. أكثر من ذلك، يعمل الجيش، كما يقول، على تحقيق جاهزية لمواجهة خطة ضم لم يضعه مسؤولوه في المؤسسة السياسية في صورتها، حتى في عمومياتها، كما أنه ليس شريكاً في بلورتها، علماً بأن كلمته وتقديراتها كلمة فصل لا يمكن استبعادها. مع ذلك، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الاستخبارات، إيلي كوهين، قوله أمس، إن ضم المستوطنات لن يتم هذا الشهر، لافتاً إلى أن الفرصة الأخيرة لتنفيذ ذلك ستكون خلال أيلول/ سبتمبر المقبل. وقال كوهين: « الشرط الأميركي كان منذ البداية حول توقيت الضم الذي نص على عدم طرح المسألة للتصويت قبل الأول من يوليو، لكنه لم يكن يوماً مقدساً للضم الفعلي... نافذة الفرص المتعلقة بالضم ستغلق بعد سبتمبر مع ذهاب الولايات المتحدة نحو انتخابات رئاسية جديدة قد تطيح دونالد ترامب، الداعم الأكبر لضم المستوطنات» رغم كل السجالات والمناكفات في إسرائيل، ينتظرون القرار الأميركي ليتحدد الضم شكلاً ومضموناً وتوقيتاً.