كم مرة يتعين علينا شراء «البضاعة» الأمريكية ذاتها، وبأبهظ الأثمان؟
سؤال خطر بالبال وأنا أتابع «عاجل» الإيجاز الصحفي الذي قدمه مايك بومبيو عن «الصلات الإيرانية للقاعدة»، وكيف أن التنظيم الإرهابي (السلفي/الوهابي)، اتخذ من جمهورية إيران الإسلامية (الشيعية) ملاذاً آمناً له، بعد أن فقد ملاذه الأول في أفغانستان.
استذكرت وقفة كولن بأول، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، أمام أرفع منتظم دولي، يعرض على الملأ، دلائله وبراهينه، على امتلاك «عراق – صدام حسين»، أسلحة دمار شامل، ويقدم الشواهد الدالّة على صلاته التي لا تقبل الطعن أو النقض، مع تنظيم القاعدة...يومها «كلّف باول خاطره» وعرض لصور فضائية و»سلايدات» ورسوم توضيحية، للبرهنة على صدقية ما يقول، واستند إلى أرشيف استخبارات بلاده، للكشف عن «الصلات العراقية للقاعدة»...بومبيو، لم يتكبد عناء الكشف عن البراهين على صحة ادعاءاته، واكتفى بترديد ما نعرفه نحن المواطنين العاديين، عن وجود بعض شخصيات القاعدة في إيران، وهي قصة كتب عنها الإعلام ونشر، ما يكفي من تقارير وأخبار وتحليلات.
ترتب على مطالعة باول، غزو العراق واحتلال بغداد وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام، وما أن تحقق لإدارة جورج بوش الابن، مرادها: احتلال العراق، وتدمير الجيش والدولة، حتى سُحب هذا الملف من التداول...لم يحقق أحدٌ بصحة المزاعم، ولا من يقف وراء تلك الأكاذيب، ومن باب أولى، لقد أفلت الكذّابون والمفترون بفعلتهم، وبقينا مع عراق خرب وآيل للفشل والسقوط، حتى يومنا هذا.
لا ندري ما الذي سيترتب على أكاذيب بومبيو هذه المرة، وما إذا كانت ستمهد الطريق لضربة عسكرية أمريكية لإيران في ربع الساعة الأخير لإدارة ترامب، أم أنها محاولة لإجهاض مقاربة بايدن حيال إيران...البعض، يرفع عقيرته بالتحذير من «عظائم الأمور» التي قد تحدث فيما تبقى من أيام لدى هذه الإدارة...فيما البعض الآخر، يرى أن إدارة أشعلت حريق التمرد والعنف والإرهاب الداخلي، سيكون صعباً عليها، إشعال حرب في الخارج، سيما وان ليس لدى «الجنرال، في بيته الأبيض، من يكاتبه».
أياً يكن من أمر، لا ينبغي أن تثير متاعب الإدارة وعزلتها، الارتياح والطمأنينة في أوساطنا، نحن سكان الشرق الأوسط، وشعوب دوله وأمصاره...فهذه الإدارة، على انشغالاتها، ما زالت تجد متسعاً من الوقت والجهد، لإدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب، ومعاقبة فالح الفياض وحشده الشعبي، وإعداد قانون لمعاقبة سوريا، يتجاوز ثغرات «قانون قيصر»، وإدراج مزيد من حلفاء حزب الله على لوائح الفساد وإخضاعهم للعقوبات الأمريكية...وفي ظني أن أيام الإدارة الأخيرة، ما تزال حبلى بالمفاجآت، المدفوعة ببعض الاعتبارات الإيديولوجية الكامنة في صميم وعي و»لاوعي»، بعض أركانها، أو لرغبة رئيسها، في «تفخيخ» طرق بايدن في السياستين الداخلية والخارجية، وعرقلة مسارات الانتقال السلس والهادئ للسلطة.
ما بين وقفة بأول أمام مجلس الأمن 2002، ووقفة بومبيو أمام الصحفيين 2021، جرت مياه كثيرة في أنهار المنطقة والعالم، وهذا ربما يبعث قدراً، وإن متواضعاً، من الطمأنينة: إيران ليست العراق، والخشية من ردود أفعال إيرانية غاضبة وواسعة، ستظل حاضرة في الحسابات الأمريكية...وإدارة بوش الابن، ليس إدارة ترامب، فالأخيرة معزولة في الداخل والخارج، ومحاطة بجدران سميكة الشكوك والاتهامات...وباول ليس بومبيو، فالأول، كانت تفتح له أبواب العواصم والقصور الملكية والرئاسية، فيما الثاني، يُرغم على إلغاء زيارة مقررة لبروكسيل، لأن أحداً هناك، لا يريد أن يلتقي به أو أن يكون في استقباله...لكن ومع ذلك، فالحذر يجب أن يظل سيد الأحكام، فلا أحد يدري ما الذي يدور بخلد أغرب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.