أخر الأخبار
لمن يهمه الأمر في وزارة الداخلية
لمن يهمه الأمر في وزارة الداخلية
هذه ليست أول مرة، إذ تكررت مرات كثيرة، وكل مرة بالصدفة، لكنها حدثت معي، قبل يومين، مجددا، والمشهد مفجع، لاعتبارات كثيرة، ولا تعرف لمن توجه اللوم هنا حصرا أيها القوم.
توقفت عند محطة الوقود، عبأت السيارة بالبنزين بما جاد الله علي من دنانير كثيرة أو قليلة. لا يهم. وحين دفعت للشقيق العربي في المحطة، أعاد لي بقية المبلغ، واضطر أن يقوم بإخراج ماله من جيبه، لإعطائي باقي المبلغ، فخرجت بين يديه عشرات بطاقات الأحوال المدنية، رزمة فيها بطاقات من شتى المشاتل والمنابت والأصول والأنساب، لكن يجمعهم جميعا احتجاز هوياتهم الرسمية، هنا يتوحدون في جيب الشقيق العربي، رعاكم الله، بعينه التي لا تنام.
سألت الشقيق عن هذا، فحدثني عن قصص يقوم فيها أصحاب السيارات، بتعبئة خزانات الوقود، ولا يدفعون إما لكونهم يدعون أنهم نسوا مالهم في البيوت أو المكاتب، وإما لأن بطاقات الفيزا التي تخصهم لم تعمل فجأة لسبب أو آخر، وإما لكون البعض يقول إنه بلا مال وبحاجة للوقود وسيعود بالمبلغ، ويحجز هويته لدى محطة الوقود، ضمانة وتأكيدا على أنهم سيعيدون المبلغ، والكل يقدم رقم هاتفه، دليلا على الصدقية، وأنه جاد، لولا الظرف المستجد والطارئ.
حسنا. سألته هل يعودون لك بالمال ويستردون هوياتهم، أجابني بكل ثقة أن أكثر من تسعين بالمائة لا يعودون، برغم مرور الأيام والأسابيع والشهور، وأن هذا ليس حاله هو وحده، بل حال أغلب عمال محطات الوقود الذين لديهم هويات رسمية، لأعداد مهولة من المواطنين، برغم التواصل معهم لاحقا، وحضهم على استرداد هوياتهم، ودفع ما عليهم من حقوق.
فكرت في القصة مطولا، وإذا ما كانت دليل فقر أو حاجة، أم نصبا واحتيالا، وقدرة سهلة على إخراج هوية بدل فاقد، خصوصا، أن هوية الأحوال وهي وثيقة رسمية، مهمة جدا في الأردن، وبدونها لا تمشي مترا في أي مكان، وحين يقول لك عامل المحطة أن المبالغ تتراوح بين خمسة دنانير وخمسين دينارا، تدرك أن هناك فرقا بين حالة وحالة، من حيث الدوافع في حجز الهوية.
سيقال لنا إن حجز الوثائق الرسمية ممنوع، وهذا أمر معروف، لكن هذا هو السائد، مما يجعلنا ربما نطلب من وزارة الداخلية أن تطلب من كل المحطات تسليمها الهويات المحجوزة التي تركها أصحابها عامدين أيضا وفرطوا بها، لأن المسؤولية هنا ليست على المحطة وحيدة التي حجزت الهوية، بل على الإنسان الذي استسهل حجز هويته مقابل بضعة دنانير، ولم يحاول لاحقا أن يستردها بأي طريقة، برغم معرفته أن إصدار بدل فاقد بحاجة إلى جهد وتبليغات وقصص كثيرة نعرفها كلنا، وبرغم أن المبالغ المطلوبة من أي فرد ليست كبيرة.
هل هذه الظاهرة تعبر عن حاجة مالية، أو عن احتيال أحيانا، أو عن عدم احترام للوثيقة الرسمية، أو عن خفة اجتماعية تعتبر أن إصدار بدل فاقد أسهل من العودة والدفع، أو عن قيام الطرف الدائن بإجراءات غير قانونية لضمان حقوقه؟ وهذه تساؤلات بحاجة إلى إجابات.
وزارة الداخلية لديها مشاغل أهم من هكذا قصة، لكن من المؤلم أن تجد في جيب كل عامل محطة عشرات الهويات المحجوزة، وربما أراهن هنا أن الداخلية لو جمعت هذه الهويات، وراجعت سجلات الأحوال المدنية لاكتشفت أن أكثر من نصفها صدر له بديل، وهذا الكلام يقال ليس لتصعيب إصدار الهويات البديلة، لأن مصلحتنا أن تبقى الأحوال المدنية سهلة وميسرة، وهي التي يضرب فيها المثل أولا في الأردن، في سهولة المعاملات وسرعتها، وحتى لا تحدث معالجة ثأرية ترتد سلبا على من يفقدون هوياتهم بشكل اعتيادي.
لا تعرف ما هي ظروف من سلم هويته للحجز، لكنك تعرف بالتأكيد أنه ليس طبيعيا ألا يعود ولو بعد شهر أو شهرين، لأخذ هويته، ودفع ما عليه من مبالغ أغلبها ليس كبيرا، فيما من المؤلم حقا، أن ترى هكذا مشاهد، أيا كانت تبريراتها، وتفسيراتها في هذه البلاد.