الدائرة، هذه الأيام، تضيق جداً حول رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك. والمحاصرون له، من نواب المقاعد الخلفية، من اليمين المتشدد في حزبه، يحكمون الخناق حوله، يبتغون إسقاطه وبأسرع وقت.
فهل «وقفتِ الزنقة للهارب»، وحانت نهاية أول رئيس حكومة بريطاني مُلون؟
ما كان طوال الأسابيع الماضية يُصنّف في التقارير الإعلامية تحت خانة تسريبات وإشاعات، أضحى واقعاً في عطلة نهاية الأسبوع الماضي؛ إذ لا حديث لوسائل الإعلام البريطانية، وبخاصة منها القريبة من دوائر المحافظين، سوى عن محاولة نواب المقاعد الخلفية من اليمين المتشدد في الحزب لإقصاء الزعيم سوناك، واستبدال وجه آخر به؛ بيني موردانت، لتكون قائمة بأعمال رئيس الحكومة، وليس رئيس حكومة، إلى حين عقد الانتخابات. الغرض من ذلك تجنّب الدخول في معمعة انتخاب زعيم جديد للحزب، اختصاراً للوقت والجهد.
موردانت، من اليمين المعتدل، وتشغل منصب مديرة البرلمان منذ وصول سوناك للحكم، وكانت وزيرة سابقاً، وسبق لها الترشح للزعامة في المرة السابقة وأخفقت. والتقارير الإعلامية تقول إنها معرّضة لخسارة مقعدها البرلماني في الانتخابات النيابية المقبلة، وفقاً لاستبيانات الرأي العام، بسبب تغيير حدود الدائرة الانتخابية التي تمثلها في البرلمان.
ومن المرجح أن يكون الموعد المقرر للعملية بعد يوم 2 مايو (أيار) المقبل؛ أي بعد ظهور نتائج انتخابات المجالس البلدية؛ إذ من المتوقع جداً أن تكون خسارة المحافظين ثقيلة. الإعلاميون أطلقوا على عيد الفصح المقبل اسم «عيد فصح المتآمرين»؛ إذ يتوقعون أن يقضي النواب المتآمرون أوقاتهم خلال عطلته في وضع التشطيبات النهائية لخطتهم. والمتآمرون معروفون بالأسماء. وهم ليسوا في حاجة إلى مبررات. كل توقعات المراقبين والمحللين، واستبيانات الرأي العام، تؤكد على هزيمة المحافظين في الانتخابات النيابية المقبلة، والمتوقعة في فصل الخريف المقبل. وهو سبب ومبرر في ذات الوقت، وأكثر من كافٍ للتفكير جدّياً في إزاحة سوناك، واستبدال وجه آخر به، على أمل تغيير الحظوظ. وفي الأخير، الغريق من شدة يأسه، لا يتورع عن التعلق بأي شيء، ولو كان قشّة.
السؤال: كيف يمكن لزعيم حزب عتيد، ورئيس حكومة، على مرمى حصاة من عقد الانتخابات، أن يقود حملة انتخابية في كل البلاد لإقناع الناخبين بمنحه ثقتهم وأصواتهم، إذا كان غير قادر على إقناع نواب حزبه في البرلمان بمنحه ثقتهم ودعمهم والالتفاف حوله؟
نُذر خريف الغضب البريطاني بدأت تلوح للمحافظين، قبل غيرهم، منذ أشهر مضت. خطة تبديل الزعماء لتفادي الخسارة المحتملة لم تؤدِّ الغرض، بل أتت بنتائج عكسية. ومعارك الانقسامات الدائرة في الحزب زادت أواراً. وانتظارهم أن تغيّر الرياح اتجاهها طال بلا جدوى. ولم يبقَ من الحلول بين أياديهم سوى مراهنة أخيرة: إزاحة سوناك، وإحلال بديل.
الغريب أن البديل المحتمل المتداول في وسائل الإعلام (موردانت) غير معروف عنه في تاريخه السياسي الإتيان بمعجزات. وليس لديه من المؤهلات والخبرات ما يجعله قادراً على تغيير اتجاه الرياح، بتحقيق ما فشل سوناك في تحقيقه. ومع وضوح ذلك في الأذهان للمتآمرين، إلا أنّهم، على ما يبدو، لا يرون بأساً في المقامرة، ومحاولة رمي النرد لمرّة أخيرة على الطاولة.
لم يبقَ على شهر مايو سوى أسابيع قليلة. وتعدُّ فرصة كافية سواء أكان ذلك لسوناك وفريقه بهدف إنقاذ الموقف واستعادة السيطرة على الأمور، أم للمتآمرين عليه بهدف التخلص منه. فمن منهم يا ترى ينتهز الفرصة الزمنية المتاحة لصالحه، وبأقل خسائر ممكنة، وينجح في الوصول إلى تحقيق الهدف أولاً؟