تتغذّى التنظيمات الجهادية وفي مقدّمها تنظيم "داعش" وفروعه في العالم، على الفوضى المستشرية في العالم، التي برزت بعد حروب أوكرانيا وغزة والسودان، والاضطرابات التي تجتاح دول الساحل الإفريقي، في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
في كانون الثاني (يناير) الماضي، هاجم انتحاريون من تنظيم "داعش- ولاية خراسان"، وهو فرع التنظيم في آسيا الوسطى، مشاركين في مراسم أُقيمت في ذكرى مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في كرمان بجنوب إيران، ما أسفر عن مقتل نحو 100 شخص.
وليل الجمعة الماضي، هاجم أربعة مسلحين صالة "كروكوس سيتي" للموسيقى قرب موسكو، وقتلوا أكثر من 143 من الحضور بدم بارد، في هجوم هو الأخطر على صعيد الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها الأراضي الروسية في السنوات الأخيرة.
أتى الهجوم بينما الأنظار كلها مركّزة على جبهات القتال في أوكرانيا، حيث تحرز روسيا مكاسب، ولو بطيئة، على الأرض، فيما تعمد أوكرانيا إلى شن هجمات بطائرات مسيّرة على البنى التحتية الروسية، خصوصاً مصافي النفط، التي لحقت بها خسائر مهمّة في الأشهر الأخيرة. وتعتقد القيادة الأوكرانية أنّ سلاح المسيّرات يحقق لها تعويضاً عن النقص الذي تعانيه في مجال الذخائر، مع تجميد المساعدات العسكرية الأميركية بسبب خلافات سياسية في الكونغرس بين الديموقراطيين والجمهوريين. ويجهد الأوروبيون من أجل تأمين البدائل.
الحرب الروسية- الأوكرانية، لا تلوح لها نهاية في الأفق ومرشحة للاستمرار لسنوات مقبلة، مع عدم اقتناع الطرفين حتى الآن، بأنّ التفاوض يمكن أن يوصلهما إلى تسوية مقبولة.
وكما ينشغل العالم بحرب أوكرانيا، ينخرط بقدر أكبر في حرب غزة التي دخلت شهرها السادس، وتجتذب الاهتمام ليس بسبب القصف الإسرائيلي وإنما بفعل مأساة إنسانية هي الأفظع في القرن الحادي والعشرين، مع الجوع الذي بدأ ينتشر في القطاع ويتهدّد معظم سكانه. والوضع مرشح لمزيد من التفاقم مع التهديد الإسرائيلي باجتياح رفح في أقصى جنوب القطاع. هذه الحرب التي تُشعل اشتباكات على جبهتي لبنان واليمن أيضاً، قد تتحول عند أي خطأ في الحسابات، إلى حرب إقليمية شاملة.
والحرب في السودان تقترب من سنتها الأولى، وسط عمليات كرّ وفرّ للجيش وقوات الدعم السريع، من دون أن تفلح الجهود الإقليمية والدولية في خفض التصعيد وإقناع الجانبين بالحوار، بينما الجوع يتهدّد ملايين الناجين واللاجئين في الداخل السوداني والدول المجاورة. وتواجه الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية صعوبات جمّة في توفير الموارد من أجل سدّ احتياجات هؤلاء.
وفي دول الساحل، رسخّت التنظيمات الجهادية في الأعوام الأخيرة وجودها في النيجر وبوركينا فاسو ومالي، مستفيدة من الاضطرابات الداخلية في هذه الدول، ومن التوتر الذي نشأ مع فرنسا التي كانت تنشر 5 آلاف جندي في المنطقة.
الحروب الناشبة في العالم وتزايد النزاعات المسلحة في مختلف بقاعه إلى مستويات لم يشهدها منذ عقود، تغذي الجهاديين الذين يستغلون الفوضى في النظام العالمي، كي يجددوا هجماتهم متى أُتيح لهم ذلك في أية دولة، من سوريا والعراق إلى إيران وروسيا.
وهكذا يغرق العالم في حروبه التي تجرّ الفوضى، في حين أنّ مسؤولية القوى الكبرى، ألاّ تنسى الخطر الجهادي، وما يمثله من تحدّيات لكل الدول.
في ظلّ الانشغال بالحروب والنزاعات، ينمو "داعش" ويتحيّن الفرص لشن هجماته ضدّ المدنيين في غالب الأوقات لأنّهم يشكلّون أهدافاً سهلة بالنسبة له.
إنّ هجوم موسكو، جرس إنذار ليس لروسيا وحدها، وإنما لبقية الدول، كي تتذكر أنّ الإرهاب يستيقظ مجدداً، ولن يتوقف إذا لم تتضافر جهود الدول كافة لوقفه. ومن دون تعاون وتنسيق دوليين، سيكون كل جهد فردي قاصراً في هذا المجال.
وقبل ذلك، يجدر وقف الحروب الناشبة الآن قبل كل شيء.