أخر الأخبار
بعد أن
بعد أن

يقدّم زميل كبير لمقال له بالقول: «بعد أن نجح الغرب الاستعماري في تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى سنة وشيعة...».

أما أن «الغرب الاستعماري» قد قسمنا، ولا يزال يحاول ويمعن، فلا شك. لكنّ ثمة خلافاً بسيطاً حول تاريخ الانقسام. هل بدأ مع «الغرب الاستعماري» أو قبله؟ أي تقريباً منذ الخليقة، وأكاد أقول قبلها!

بينما كنت أقرأ في مقال الزميل، عدت بالصدفة المجردة إلى كتاب المؤرخ البريطاني جيرالد دي غاوري «ثلاثة ملوك في بغداد»، وهو من أدق وأرهب ما كتب عن مجزرة قصر الرحاب، التي أنهت الحياة الملكية في العراق، وحملت إليه ما تتالى من عزل وسحل وتقصيب. يعدد دو غاوري الأديان والمذاهب القائمة في بغداد قبل وصول الاستعمار التقسيمي الغاشم: المسلمون، المسيحيون، الصابئة، اليهود، المترائيون، البهائيون، اليزيدية، السريان، الكلدان، الآشوريون، النساطرة، اليعاقبة، اللاتين الكاثوليك، السبتيون، البروتستانت، الكاكائية، الشبك، إلى آخره.

في تعداده، يريد دو غاوري الثناء على ثراء التنوع، وليس العكس. وهو ما كان يحدث مع لبنان الذي يضم 18 طائفة رسمية. لكن هذا التنوع يكون يوماً حسنة ويوماً حرباً، وإذا تشاجر اللبنانيون على الطقس، هددوا بالحرب الأهلية، وارتفعت مشاعر التقسيم.

لا يرتضي أحد منا إطلاقاً أن يكون الغرب الاستعماري من بدأ حقد التقسيم، وكره الجوار، وأحقاد القرون. لكن يحسن بنا التذكير بأنه عندما وصل الغرب إلى هنا، كانت الطوائف قد سبقته. وجرى التقسيم وفقاً للوقائع. ويلاحظ أن حروب الجاهلية كانت أقل همجية. فهي من أجل ناقة غبراء، ومدة العرض 40 عاماً. وهل الشعوب الأخرى أكثر تحضراً؟ معاذ الله. ما يدوم عندنا أربعين عاماً، يدوم عندهم 400 عام. ويسقط فيه ملايين القتلى. مع بعض الخطأ في الحساب.