أخر الأخبار
الأردن Vs. داعش
الأردن Vs. داعش

ضربة متحف باردو التونسي أخذت منحى قريبا من العمليات التي استهدفت باريس في يناير الماضي، بينما اتخذت ضربات صنعاء النهج التقليدي للعمليات الإرهابية في العراق خلال السنوات الساخنة ما بعد الغزو الأمريكي 2003، وكلتا العمليتين نفذتا تحت راية داعش، بما يعني أن التنظيم اتخذ طابعا عالميا يغري جميع المعتنقين للفكر المتطرف بالانتماء له، وذلك يعني أن داعش اليوم تشكل النموذج، وأننا مع مواجهة ظاهرة تطور النموذج أو تثويره Paradigm Shift، فما الذي يعنيه ذلك، وما الذي يجعل داعش تختلف عن القاعدة التي مثلت النموذج السابق؟
القاعدة في المرحلة الأولى لم تكن تسعى إلى تأسيس دولة إسلامية، وإنما حملت أهدافا محددة مثل محاربة الوجود الأمريكي، تطبيق الشريعة، وما إلى ذلك، وكان انضمام الظواهري بما يحمله من ثقافة ومبادئ عامة أرستها تجربة وطموحات التنظيمات الجهادية في مصر، والتقائها مع أفكار أخرى متعددة المصادر تنفتح على تراث الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، يمثل نقلة نوعية في فكر القاعدة أسفر عن وجود فروع له في العديد من المناطق حول العالم، وظهور مشروع جديد للسلطة، فانتقلت القاعدة من فكرة تقويض السلطة القائمة إلى انشاء سلطة بديلة، وهو ما أخذها إلى شوط أبعد في المواجهة.
داعش انطلقت من ظروف تاريخية غير مسبوقة، ولا يمكن لأحد أن ينفي وجود قدر كبير من التواطؤ في أن تكون داعش هي الحل على طبق من الذهب لملوك الطوائف الذين أخذتهم الرغبة في أن يستحوذ كل منهم على أنصاره وآباره (النفطية)، ولذلك فإن شهوة تكرار التجربة وانتزاع نفس الفرصة ضمن الظروف القائمة للربيع العربي حركت جميع التنظيمات التي انتمت تاريخيا للقاعدة للتعلق بداعش بوصفها النموذج الجديد، والكتالوج الداعشي أكثر خطورة من ضربات إرهابية لأنه يتبنى  رؤية إحلالية، وبذلك، يمكن توقع أن ضربات تونس وصنعاء ليست سوى الجزء الذي يظهر من جبل الجليد، فالذي يختلف اليوم أن الذين يضربون لا ينسحبون للاختباء تحت الأرض، ولكنهم يبقون على اتصال دائم لاستغلال أي فرصة فوضى يمكن أن تتحقق بعد ضرباتهم الإرهابية.
الأردن يمثل تحديا لداعش، ولذلك أتى الانتقام المجنون منه في صورة الشهيد الكساسبة، فالأردن نموذج ما زال قائما ليدحض أصلا نموذج داعش من جذوره، وخلخلة الوضع الأردني من طموحات التنظيم وما يعطل تحقيق ذلك الطموح هو تعرض التنظيم لضغوطات ميدانية متواصلة من خلال الضربات الجوية، والتقدم الكردي المدعوم أمريكيا، ومؤخرا قوات الحشد الشعبي، ولكن ذلك لا ينفي وجود الأردن كعائق كبير أمام الحلم الداعشي.
فرضية داعش تقوم على الدولة البديلة على أساس سقوط جميع الدول في محيطها، وعلى الأقل، افتقارها للأمن والاستقرار،  ويد داعش الثقيلة يمكن أن تتدخل بطريقتها الحاسمة لتعيد ذلك إلى الناس، وفي النهاية فإنهم يزعمون النموذج الإسلامي الذي يمتلك جاذبية لدى جموع من البسطاء، واليوم، فإن الأردن تقريبا هي النموذج المتبقي للدولة في المنطقة، بمعنى الدولة التي تقف على مسافة معقولة من جميع النماذج البديلة، فمثلا لا يمكن وصف الأردن بالدولة الحداثية أو المتزمتة، فالأردن نموذج له خصوصيته وقدرته على استيعاب التناقضات تعتبر في حد ذاتها عقدة أمام دعاة الفوضى وإعادة التشكيل والتوزيع والتقسيم، لذلك تكتسب المعركة مع داعش خصوصيتها التي تبرر وجود الأردن في المواجهة أمام وحش متعدد الرؤوس والأطراف.