عاصفة الحزم، هي «الكي» وآخر الدواء ، الذي تلجأ إليه دول الخليج لدرء خطر الأزمة اليمنية ، واحتواء آثارها، على أمن المنطقة واستقرارها.
والواضح أن العملية العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية وتشارك فيها دول خليجية وعربية وإسلامية، تكشف الحدود التي يمكن أن يقف عندها الصبر السعودي، ومن ورائه الصبر الإقليمي، إزاء الاستفزاز الإيراني، وأدوات هذه الاستفزاز، من قوى حزبية محلية، وأنظمة سياسية.
ورغم اختلاف الظروف، وتباين المعطيات، فإن هذه العملية ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها دول الخليج عسكريا لمواجهة وضع مستفز سياسيا ، وخطر أمنيا. رأينا ذلك في مملكة البحرين حين حاولت إيران أن تلعب على الوتر المذهبي والطائفي من أجل تقويض الاستقرار هناك، وتهيئة مناخات تسمح لها بالتدخل في الشأن الداخلي البحريني ، كما تدخلت من قبل، في شؤون دول عربية أخرى ، وقت أن حانت أمامها الفرصة، إما بسبب السكوت والصمت الإقليمي أو بسبب العجز والتمزق العربي.
أهمية عملية عاصفة الحزم، أنها تخرج قضية اليمن من لعبة المساومات والمناورات السياسية الإقليمية والدولية، وهي اللعبة التي أعاقت حل أزمات عربية في العراق وسوريا ولبنان. فقد وضعت هذه العملية، المبادرة من جديد في يد دول المنطقة، لتكون هي دون غيرها من يرسم المسموح، والممنوع. ولتتصدى بنفسها، وبما لديها من تحالفات عربية وإسلامية، لكل ما يمكن أن يسيء إلى أمنها أو يعبث باستقرارها.
العملية العسكرية بهذا المعنى، ليست ردة فعل، وليست نجدة للشرعية اليمنية فحسب، بل هي عملية منسقة سياسيا، ومعدة عسكريا، وقد تكون مقدمة لترتيبات إقليمية دائمة تتغير معها قواعد اللعبة، بحيث تقاس من الآن وصاعدا بأولويات دول المنطقة، وبتقديراتها، ووفق ما تراه من اعتبارات وما تملكه من إمكانيات. والرياض عندما تأخذ زمام المبادرة في عملية كبيرة من هذا النوع، تعلم أن الأمر ليس نزهة، وإنها تتحسب لمخاطرها. لكنها مع ذلك، تقيس هذه المخاطر بما يمكن أن ينتج عن مخاطر الصمت أو التعامي عما يحدث في الجوار.
وهي عندما تتخذ زمام المبادرة، وتحشد حولها الأشقاء والحلفاء، تعبر بشكل غير مباشر عن تراجع الثقة بدور القوى الدولية التي جعلت من قضايا المنطقة، وأمنها ورقة مساومة تصفي من خلالها حساباتها المعلقة، وترتب على أساسها أولوياتها الأمنية والسياسية ومصالحها الاقتصادية.
وقد تجسد ذلك بوضوح، في الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة من التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، حين اختزلت كل هذه القضايا، بالملف النووي الإيراني، وجعلت أي حلول ممكنة لها، رهن بما يتحقق في كواليس المفاوضات النووية.
سرق هذا الملف الأضواء من الملفات الأخرى في المنطقة. أصبح مفتاحا لكل الأزمات، ومدخلا لكل الحلول. أصبح قميص عثمان الذي تمسح به واشنطن خطايا إيران وآثامها، ومسمار جحا الذي تعلق عليه عجزها أو ترددها.
بسببه، أصبحت قضية الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية قضية هامشية أو منسية، ووجدت فيه إسرائيل عنوانا مثيرا، يصرف الانتباه عما تفعله في الاراضي المحتلة، من استيطان وحصار، ويرفع عن كاهلها إثم الاحتلال وضريبته.
من خلال مناورات مدروسة، أخفت إيران، تحت قعقعة الحديث عن هذا البرنامج، الطحن الذي تمارسه، على شكل تمدد في طول الإقليم، وفي عرضه ،وبدأت تعمل على خلق واقع لا يمكن تجاوزه على الأرض، أو جعله ثمنا تقبضه مقدما، لأي تنازل في كواليس التفاوض.
كانت إيران تقبض أولا بأول، وتدفع بالقطارة، تنازلت عن نسبة من التخصيب، لتنال قسطا وافرا من الترحيب. تحت ستار المفاوضات، تخطت الرقاب، وتقدمت الصفوف، فخرجت من مرارة العزلة، لتبعث الخوف والقلق لدى كل من ُأعتبر دائما بمنزلة الحليف، أو بمكانة الصديق.
وفيما كان البعض ينتظر الاتفاق النووي للتوافق على الأزمات الإقليمية الأخرى كانت طهران تعمل بدأب على استكمال تمددها في الإقليم. وكانت تعمل على جعل رفع العقوبات الاقتصادية المنتظر من ذلك الاتفاق مصدرا لتمويل ما تنجزه على الأرض، وعنصرا في تكريس ما تحققه سياسيا في الميدان.
عاصفة الحزم، بغض النظر عن النتائج العسكرية المباشرة تخلط كل الأوراق في المنطقة. فإيران التي كانت طليقة اليد في كل اتجاه، ستشعر الآن بحرارة النار التي ظلت تشعلها في المنطقة طوال السنوات الماضية، بحيث يكون «الكي» الذي وصفه العرب يوما بآخر الدواء، هو العلاج الشافي لكل أزمات المنطقة، و قد يكون بداية تخرج المنطقة من الفوضى التي تعيشها.