لا زالت الزيارة المفاجئة لنائب رئيس الوزراء ووزير خارجيتنا ناصر جودة الى طهران تفرض ذاتها حدثا رئيسيا على المنطقة في التعاطي السياسي مع ما يحدث من تطورات خاصة على الجانب العسكري.
وسخونة البحث في اسباب الزيارة يزداد بعد التداعيات التي فتحت ابواب عمان لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم، والمرجع الشيعي اللبناني علي فضل الله وزعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر الذي يفترض ان يزور الاردن قريبا.
والسؤال الذي لا يزال قائما، ما الذي جرى في هذه الزيارة ؟ وما علاقتها فيما يجري من تحالف عربي كبير لدك كل جيوب الارهاب في المنطقة ؟ وهل التقارب الامريكي الايراني وما صدر بعدها من تصريحات عن وزير الخارجية الامريكي جون كيري بان استقرار المنطقة يتطلب التفاوض مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد فرض نفسه على المشهد؟
الاسئلة كثيرة والبحث مستمر عن كل الاجابات ولكن باب بنك المعلومات للحصول على هذه الاجابات لا زال مغلقا لسبب ان الحرب المعلنة على الارهاب والتي يخوضها الشرق العربي وفي مقدمته الاردن، لا تحتمل اي تسريب يمكن تأويله بما يعطل الجهود وخطط الاطاحة باصحاب الثقافة العمياء وتجفيف منابع عنفهم وارهابهم.
ولا شك ان هذه الزيارة التي تأتي من قبل الديبلوماسية الاردنية الرسمي المعارضة سياسيا ولوجتسيا الحركة الايرانية في المنطقة، تثير في معطياتها الجدل. وسبب هذا الجدل ينبثق من اهمية الاردن الاستراتيجية في مكافحة الارهاب وفيما اذا كانت هذه الزيارة تعد تحولا في الموقف الاردني في العلاقة مع دول الخليج العربي خاصة بعد ما جرى من تطورات في اليمن وتمدد الحوثيين بدعم ايراني للسيطرة على اراضيه.
ورغم محاولات الاصطياد بالماء العكر لتأويل الزيارة في السياق الذي يضر الاردن من قبل خصومه، الا ان النداءات التي اطلقها مفكرون وسياسون خليجيون يحثون فيها بلادهم على رفع مستوى دعمها للاردن في هذا الوقت العصيب ينبثق من ادراكهم التام بان الاردن بوابة الامن الاستراتيجية للخليج العربي وان قوته تنعكس بشكل تلقائي على قوة دولهم.
ومن هذا المنطلق فان التحذير الذي اطلقه هؤلاء المفكرون بعدم تخلي دول الخليج عن الاردن في ظل التهديدات التي يواجهها على حدوده الشرقية والشمالية، ليس اكثر من تذكير بان الخطر ليس من داعش والعصابات الاخرى الارهابية المسلحة وانما الميليشيات والقوات العسكرية المحسوبة على ايران التي تقترب من الحدود الاردنية في اطار مكافحة الارهاب.
وعليه، لم يُبدِ من يفهمون حجم التهديد الامني الذي يواجهه الاردن ويتصدى له ببسالة قواته المسلحة المرابطة على طول شريطيه الحدوديين مع العراق وسوريا اي لوم على الديبلوماسية الاردنية المعروفة للجميع بانها جامعة وليست مفرقة وان حركتها غير المتوقعة تجاه ايران ترتكز الى حماية مصالح الاردن والحفاظ على امنه الوطني، وليس الانقلاب على احد ما دام ان بعض حلفائه لا يدركون حجم ذلك التهديد الذي سيصلهم لو حصل للاردن شيء لا قدر الله. وهذا ما نبه اليه ساسة الخليج العربي في حث دولهم على دعم الاردن حتى تكون قواته المسلحة قادرة على رد اي محاولات لاختراق حدودها خاصة بالعتاد والمعدات العسكرية. وحتى يكون الاردن محورا حقيقيا وفاعلا في مكافحة الارهاب فان هذا يتطلب اغلاق كل البوابات التي تهدد امن الشرق العربي والذي يعد الاردن عمقه وامنه الاستراتيجي.
فما يجري في اليمن لا يختلف كثيرا عن ذلك النموذج الذي يريده اصحاب الامبراطورية الصفوية خلقه في الاردن، ولكن طهران تعي تماما ان فشله محتوم بسبب اللحمة الفريدة التي يعيشها الشعب الاردني وكذلك بسالة قواته المسلحة وان كل ما تراهن عليه هو التراجع الاقتصادي الذي باعتقادها سينعكس سلبا على مخصصات الجيش وقدراته اللوجستية وبالتالي احتمالية قبول الاردن بمساعداتها المشروطة والتي ترفضها عمان على الدوام.
ولذلك، ورغم ثقة الاردنيين بانفسهم وبمؤسساتهم العسكرية والامنية وتقديمهم امنهم واستقرارهم على حساب لقمة عيشهم في درء الخطر واحباطه خارج حدود الوطن، الا ان الاردن يخوض حربه على الارهاب من اجل امن الشرق العربي الذي دوله في مرمى الهدف لولا الجيش العربي الذي يواجهه دفاعا عن الاسلام والعروبة، وما الزيارة الاردنية الى طهران الا واحدة من الاسلحة الديبلوماسية الاردنية التي تصب في صالح الامن القومي العربي وتعزيزه وكذلك الاردني.
واذا كانت الولايات المتحدة الامريكية وجدت مصلحتها في توقيع اتفاق نووي مع ايران ومنحها تصريح عبور لتحقيق مصالحها في المنطقة، فالاردن وتحالفه العربي يملك من الاوراق ما يجعل مصالح واشنطن وطهران بعيدة عن امنها واستقرارها تماما مثلما حاولت في الربيع العربي الذي انقلب فيه السحر على الساحر وتكشفت الاوراق وعادت الامة الى رشدها وعروبتها وعملها المشترك في حماية دينها وقوميتها.